خطبة جمعة عن فَضْلُ الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مكتوبة

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 28 من ذي القعدة 1434الموافق 4 / 10 / 2013م
فَضْلُ الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:    

فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى - عِبَادَ اللهِ -، وَاعْلَمُوا أَنَّ تَقْوَى اللهِ - جَلَّ وَعَلاَ- خَيْرُ زَادٍ يُبَلِّغُ إِلَى رِضْوَانِ اللهِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: )وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ( [البقرة:197].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
بَيْنَ الْحِينِ وَالْحِينِ تُظَلِّلُ النَّاسَ سَحَابَةٌ مَوْسِمِيَّةٌ عَظِيمَةٌ، تُمْطِرُ عَلَيْهِمْ خَيْرًا بِلاَ عَدٍّ وَلاَ حِسَابٍ، تُمْحَى بِهَا الْخَطَايَا، وَتُغْفَرُ بِهَا الزَّلاَّتُ، وَتُرْفَعُ بِهَا الدَّرَجَاتُ، وَتُمْلأُ بِهَا صَحَائِفُ الْحَسَنَاتِ، فَالْكَيِّسُ الْكَيِّسُ مَنْ تَعَرَّضَ لِسَحَائِبِ الرَّحْمَةِ؛ فَنَالَ مِنْ خَيْرِهَا، وَأَصَابَ مِنْ غَيْثِهَا، فَهِيَ فُرَصٌ لاَ تَتَكَرَّرُ كَثِيرًا، بَلْ هِيَ وَمَضَاتٌ تُضِيءُ لِلَحَظَاتٍ، وَلاَ تَلْبَثُ أَنْ يَنْطَفِئَ نُورُهَا، وَيَخْبُوَ أُوَارُهَا، فَيَجِبُ انْتِهَازُهَا لَعَلَّهُ لاَ يُدْرِكُهَا مَرَّةً أُخْرَى.
إِنَّهُ كُلَّمَا تَقَادَمَ الزَّمَانُ، وَمَرَّتِ الأَيَّامُ؛ احْتَاجَ الإِنْسَانُ لِتَجْدِيدِ حَيَاتِهِ، وَالْوُقُوفِ مَعَ نَفْسِهِ وَقْفَةَ مُحَاسَبَةٍ وَاسْتِزَادَةٍ مِنَ الْخَيْرِ وَالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَإِعَادَةِ مُرَاجَعَةِ طَرِيقَةِ سَيْرِ هَذِهِ الْحَيَاةِ، فَإِنْ كَانَ مُحْسِناً زَادَ فِي إِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا اسْتَدْرَكَ مَا فَاتَ، وَنَدِمَ عَلَى الْفَوَاتِ، وَمَا قَارَفَ مِنَ الْخَطِيئَاتِ، فَالْقُلُوبُ تَصْدَأُ مِنَ الْغَفْلَةِ، الَّتِي قَدْ تُسَيْطِرُ عَلَيْهَا زَمَناً طَوِيلاً، وَأَمَدًا بَعِيدًا، وَالشَّيْطَانُ مُرَاقِبٌ لاِبْنِ آدَمَ، مُتَرَقِّبٌ لِوُقُوعِهِ فِي الْغَفْلَةِ حَتَّى يَهْجُمَ عَلَى الْقَلْبِ فَيَنْهَشَهُ، وَيُسَيْطِرَ عَلَيْهِ فَيُحَرِّكَهُ وَفْقَ هَوَاهُ، فَلاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفاً وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَراً، بَلْ يَسْتَحِيلُ الْخَيْرُ عِنْدَهُ شَرّاً وَالشَّرُّ لَدَيْهِ خَيْراً.
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ:
إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ الْمَوَاسِمِ الْمُبَارَكَةِ: الْعَشْرَ الأُوَلَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، إِنَّهَا أَيَّامٌ فَاضِلَةٌ، وَأَزْمِنَةٌ شَرِيفَةٌ، وَمَغْنَمٌ لِلْخَيْرِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
وَقَدْ خَصَّهَا اللهُ -جَلَّ وَعَلاَ- بِخَصَائِصَ وَمَيَّزَهَا بِمَزَايَا:
فَمِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الأَيَّامِ أَنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلاَ- اخْتَارَهَا وَاصْطَفَاهَا وَجَعَلَهَا أَفْضَلَ أَيَّامِ السَّنَةِ عَلَى الإِطْلاَقِ، وَاللهُ -جَلَّ وَعَلاَ- يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ، فَجَعَلَ -سُبْحَانَهُ- هَذِهِ الأَيَّامَ الأُوَلَ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةَ خَيْرَ الأَيَّامِ وَأَفْضَلَهَا.
وَمِنْ خَصَائِصِهَا: أَنَّهَا خَيْرُ أَيَّامِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَمَا تَقَرَّبَ إِلَى اللهِ مُتَقَرِّبٌ بِعِبَادَةٍ أَفْضَلَ مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الشَّرِيفَةِ الْفَاضِلَةِ؛ فَفِي الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ»، يَعْنِي: أَيَّامَ الْعَشْرِ. قَالُوا: وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟! قَالَ: «وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ، وَاللَّفْظُ لَهُ].
وَمِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الأَيَّامِ وَفَضَائِلِهَا: أَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَقْسَمَ بِهَا تَشْرِيفًا لَهَا، وَإِعْلاءً مِنْ شَأْنِهَا، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلاَ-: )وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ( [الفجر:1-3]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: الْمُرَادُ بِالْعَشْرِ فِي الآيَةِ: الْعَشْرُ الأُوَلُ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ.
وَمِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْعَشْرِ -عِبَادَ اللهِ-: أَنَّهَا أَيَّامٌ تَجْتَمِعُ فِيهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الطَّاعَاتِ مَا لاَ يَجْتَمِعُ فِي غَيْرِهَا مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ، فَفِي هَذِهِ الْعَشْرِ تَجْتَمِعُ أُمَّهَاتُ الطَّاعَاتِ: الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ وَالْحَجُّ وَالزَّكَاةُ، وَغَيْرُهَا مِنَ الطَّاعَاتِ الْجَلِيلَةِ وَالْعِبَادَاتِ الْعَظِيمَةِ، وَلاَ يَتَأَتَّى اجْتِمَاعُ هَذِهِ الطَّاعَاتِ إِلاَّ فِي هَذَا الْوَقْتِ الشَّرِيفِ الْفَاضِلِ، فَعَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ r قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنْ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ].
عِبَادَ اللهِ:
وَمِنْ خَصَائِصِهَا: أَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَهَا مَوْسِماً لِحَجِّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ، وَجَعَلَ فِيهَا أَيَّامَهُ الْعِظَامَ، فَفِي هَذِهِ الْعَشْرِ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَفِيهِ يَصْعَدُونَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى مِنًى، مُلَبِّينَ بِالْحَجِّ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ.
وَفِيهَا يَوْمُ عَرَفَةَ، الَّذِي يُبَاهِي اللهُ بِأَهْلِهِ أَهْلَ السَّمَاءِ، وَفِيهَا يَوْمُ النَّحْرِ، وَهُوَ أَعْظَمُ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ، كَمَا صَحَّ بِذَلِكَ الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ قَـالَ: «أَعْظَمُ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ يَوْمُ النَّحْرِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللهِ بْنِ قُرْطٍ t].
هَذِهِ -عِبَادَ اللهِ- جُمْلَةٌ مِنَ الْخَصَائِصِ وَالْفَضَائِلِ لِهَذَا الْمَوْسِمِ الْعَظِيمِ الْفَاضِلِ؛ فَمَاذَا سَنُقَدِّمُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ؟ أَحَالُنَا مَعَ هَذِهِ الأَيَّامِ مُمَاثِلَةٌ لِحَالِنَا مَعَ أَيَّامِ السَّنَةِ؟ أَأَدْرَكْنَا قِيمَةَ هَذِهِ الأَيَّامِ وَفَضْلَهَا وَمَكَانَتَهَا؟، أَمْ أَنَّهَا وَبَقِيَّةَ أَيَّامِ السَّنَةِ سَوَاءٌ؟ هَلْ تَحَرَّكَتْ قُلُوبُنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ تَوْبَةً وَإِنَابَةً إِلَى اللهِ وَإِقْبَالاً عَلَى طَاعَتِهِ؟.
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ:
لَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ تُجَّارِ الدُّنْيَا أَنْ لاَ يُفَوِّتُوا الْمَوَاسِمَ الْعَظِيمَةَ، بَلْ يَسْتَعِدُّونَ لَهَا أَتَمَّ اسْتِعْدَادٍ بِجَلْبِ الْبَضَائِعِ وَإِحْضَارِ السِّلَعِ، وَبَذْلِ الأَوْقَاتِ، وَبَذْلِ الْجُهُودِ الْعَظِيمَةِ؛ وَهَذَا مَوْسِمٌ رَابِحٌ لِتِجَارَةِ الآخِرَةِ، وَحُسْنِ الإِقْبَالِ عَلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلاَ-، فَهَلاَّ اسْتَعْدَدْنَا لَهَا، وتَأَهَّبْنَا لِلإِكْثَارِ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِـحِ فِيْهَا؟
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ ضَعْفَ إِيمَانِ الشَّخْصِ، وَذُنُوبَهُ الْمُتَرَاكِمَةَ تَحْرِمُهُ مِنَ الْخَيْرَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا، وَلِهَذَا يَنْبَغِي لَنَا جَمِيعاً أَنْ نَغْتَنِمَ هَذِهِ الْعَشْرَ بِالتَّوْبَةِ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، عَلَّ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَقْبَلَ تَوْبَتَنَا وَيُقِيلَ عَثْرَتَنَا، قَالَ تَعَالَى: )قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ( [الزمر:53].
وَكَذَلِكَ عَلَيْنَا أَنْ نَغْتَنِمَهَا بِالْجِدِّ وَالاِجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ، وَحُسْنِ الإِقْبَالِ عَلَيْهِ، وَكَثْرَةِ الدُّعَاءِ، وَالإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ -جَلَّ وَعَلاَ-؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْعَشْرَ مَوْسِمٌ عَظِيمٌ لِلإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ، كَمَا قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلاَ-: )وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ( [الحج:28]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- وَغَيْرُهُ: الأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ هِيَ الأَيَّامُ الْعَشْرُ الأُوَلُ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ.
فَيَنْبَغِي لَنَا -عِبَادَ اللهِ- أَنْ نَحْفَظَ هَذِهِ الأَوْقَاتَ الْفَاضِلَةَ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ لِلَّهِ -جَلَّ وَعَلاَ-، وَكَثْرَةِ الدُّعَاءِ وَالاِسْتِغْفَارِ، وَمُلاَزَمَةِ الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ، وَلاَسِيَّمَا الْفَرَائِضَ، فَاللهُ -جَلَّ وَعَلاَ- يَقُولُ - كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ-: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t].
وَلِهَذَا؛ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْنَى بِهِ الْمُسْلِمُ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِي أَوْقَاتِهَا مُبَكِّراً إِلَيْهَا، خَاشِعاً خَاضِعاً، مُطْمَئِنّاً ذَاكِراً، رَاجِياً رَحْمَةَ رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلاَ-، خَائِفاً مِنْ عَذَابِهِ.
وَإِنَّا لَنَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلَى، أَنْ يَجْعَلَ هَذِهِ الأَيَّامَ الْعَشْرَ لَنَا جَمِيعاً مَغْنَماً، وَأَنْ يَجْعَلَهَا لَنَا جَمِيعاً إِلَى الْخَيْرِ مُرْتَقًى وَسُلَّماً، إِنَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- سَمِيعُ الدُّعَاءِ، وَهُوَ أَهْلُ الرَّجَاءِ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ الْعَظِيمِ الإِحْسَانِ، الْوَاسِعِ الْفَضْلِ وَالْجُودِ وَالاِمْتِنَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الْكَرِيمُ الْمَنَّانُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَاتَمُ الرُّسُلِ وَسَيِّدُ الإِنْسِ وَالْجَانِّ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ إِلَى يَوْمِ الْعَرْضِ عَلَى الْمَلِكِ الدَّيَّانِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا عِبَادَ اللهِ، اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلاَنِيَةِ، وَالْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، مُرَاقَبَةَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ رَبَّهُ يَسْمَعُهُ وَيَرَاهُ.
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ:
لَقَدْ جَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- خَاتِمَةَ هَذِهِ الْعَشْرِ وَنِهَايَةَ أَيَّامِهَا: عِيداً لِلْمُسْلِمِينَ يَفْرَحُونَ فِيهِ فَرْحَةً عُظْمَى، وَسُرُوراً كَبِيراً، بِمَا يَسَّرَ اللهُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْقُرُبَاتِ، فَعَنْ أَنَسٍ t قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ r الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: «مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟» قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ» [أَخْرَجَهْ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ].
وَلِهَذَا يَلْتَقِي الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْعِيدِ، مَنْ حَجَّ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يَحُجَّ، يَلْتَقُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ يُهَنِّئُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، قَائِلِينَ مَا قَالَهُ الصَّحَابَةُ الْكِرَامُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ، وَهَذِهِ كَلِمَةٌ -عِبَادَ اللهِ- لَهَا وَقْعُهَا وَوَزْنُهَا وَمَكَانَتُهَا مِمَّنْ نَافَسَ فِي الْعِبَادَةِ وَأَقْبَلَ عَلَى الطَّاعَةِ.
وَأَمَّا مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْعِيدِ مُضَيِّعاً مُفَرِّطاً، مُكِبّاً عَلَى الذُّنُوبِ وَالآثَامِ وَالْخَطَايَا، فَعَلاَمَ يُهَنَّأُ؟! وَلِمَ يُقَالُ لَهُ: تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ؟!.
وَلِهَذَا يَنْبَغِي أَنْ نَحْسُبَ لِيَوْمِ الْعِيدِ حِسَاباً بِأَنْ نُعِدَّ الأَعْمَالَ الصَّالِحَاتِ، وَالطَّاعَاتِ الزَّاكِيَاتِ، الَّتِي نَفْرَحُ يَوْمَ الْعِيدِ بِأَدَائِنَا لَهَا، وَحُسْنِ تَقَرُّبِنَا إِلَى اللهِ بِهَا.
وَنَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَمُدَّنَا جَمِيعاً بِعَوْنٍ مِنْهُ وَتَوْفِيقٍ، وَأَنْ يُهَيِّئَ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً.
وَاعْلَمُوا -رَعَاكُمُ اللهُ- أَنَّ الْكَيِّسَ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزَ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ الأَمَانِيَّ.
نَسْأَلُ اللهُ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنَا لاِغْتِنَامِ مَوَاسِمِ الْخَيْرِ كُلِّهَا، وَالتَّزَوُّدِ مِنْهَا بِمَا يُقَرِّبُنَا إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَأَنْ يَتَوَفَّانَا مُسْلِمِينَ، وَيُلْحِقَنَا بِالصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا, وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا, وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا, وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاَةَ أُمُورِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنّاً، سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة ودروس الإمام

إرسال تعليق

0 تعليقات